حقيقة المس:
قال تعالى: ” الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” [سورة البقرة: 275].
قال قتادة: في قوله: “لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ” قال: هو التخبل الذي يتخبله الشيطان من الجنون وقال الضحاك في قوله الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس. قال: من مات وهو يأكل الربا بعث يوم القيامة متخبطًا ليث يتخبطه الشيطان من المس].
قال أبو جعفر: ومعنى قوله: “يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ” يتخبله من مسه إياه يقال منه قد مس الرجل وألق فهو ممسوس ومألوق كل ذلك إذا ألم به اللمم فجن. ومنه قول الله عز وجل: “إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا” [سورة الأعراف: 201]].
ومنه قول الأعشى: [وتصبح عن غب السرى وكأنما ألم بها من طائف الجن أولق وروى بن أبي شيبة في مصنفه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال إنما يكره البول في المغتسل مخافة اللمم].
وذكر صاحب الصحاح وغيره: [أن اللمم طرف من الجنون قال ويقال أيضًا أصابت فلانًا لمةً من الجن وهو المس].
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه: [ليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك، فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك].
كيف يُنكر أمرٌ مشاهدٌ ملموسٌ، يتكلم الشيطان على لسان المصروع بلغة غير لغته ولهجةٍ غير لهجته ونبرة صوت غير نبرة صوتِه؛ يخبرك الشيطان على لسان المصروع عن أمور لا يعلمها ولا يدركها المصروع نفسه؛ ويشعر المصروع بسريان الشيطان في جسده وبتأثيره عليه في بدنه، وقد يفسد عليه عقله وفكره، ويجعل أعضاءه تتصرف بطريقة مغايرة للمألوف. فعلى من يُنكر دخول الجني بدن الإنسي ويخالف أئمة أهل السنة والجماعة، أن يأتي بدليل فوق كتاب الله وفوق كلام رسول الله فإن قال: عندي فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله وكان مثل أهل البدع والفلسفة.
أسباب وقوع المس:
يقترن الشيطان بالإنسان لأسباب كثيرة فمنها:
1- الانتقـام: يقترن الشيطان بالإنسان حتى ينتقم منه لأنه يظن أن الإنسي آذاه متعمدا، وتقول العوام إنسان به ضرر أو مضرور والمقصـود بذلك أن الإنسي آذى الجني بشكل من الأشكال التالية أو نحوها:
- – بصب الماء الحار في الحمامات دون أن يسم الله.
- – البول في الشقوق وعلى بيوت الحشرات.
- – إيذاء الحيوانات مثل الكلاب والقطط.
- – قتل الحيات والثعابين في المنازل من غير تحريج عليها.
- – الصراخ والبكاء والغناء وقراءة القرآن في دورات المياه.
- – القفز أو السقوط من مكان عال بدون أن يسمي الله فيكون سقوطه على مكان فيه جن نائم أو غافل.
- – يرمي حجر في بئر أو في فلاة بدون أن يسمي الله فيصيب به الجن.
- – قراءة كتب السحر وتحضير الجن.
- – رش المبيدات الحشرية على الحشرات بغير تسميه.
ينبغي على الإنسان أن ينبه الجن قبل أن يفعل شيئا مما ذكر، والجن ينتبهون عندما يقول الإنسان بسم الله، كما ينبغي على المسلم أن لا يقتل الحيات والثعابين التي في البيوت حتى يحرج عليها إلا الابتر وذي الطفيتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لهذهِ البيوتِ عَوَامِر فإِذا رأيتًم شيئًا منها فحَرِّجوا عليها ثلاثًا فإنْ ذهب وإلا فاقتلوه فإنّه كافرٌ). رواه مسلم.
صفة التحريج:
روى ابن حبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: (أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان بن داود أن لا تؤذونا ولا تظهرن لنا).
وقال مالك: [يكفي أن يقول أحرج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تَبدو لنا ولا تؤذينا، ولعل مالكاً أخذ لفظ التحريج مما وقع في صحيح مسلم فحرجوا عليها ثلاثًا والله أعلم؛ وعند ابن منظور في لسان العرب قوله علـيه السلام، فـي قتل الـحيات: فَلْـيُحَرِّجْ علـيها؛ هو أَن يقول لها: أَنت فـي حَرَجٍ أَي فـي ضيق، إن عُدْتِ إلـينا فلا تلومينا أَن نُضَيِّقَ علـيك بالتَّتَبُّع والطرد والقتل].
2- انتقام غير مباشر: إذا لم يستطع الشيطان أن ينتقم من شخص معين بسبب محافظة ذلك الإنسان على الأذكار والأوراد اليومية أو لأي سبب من الأسباب، فإن الشيطان يتسلط من بعد إذن الله تعالى على أعز أو أقرب الناس الى ذلك الإنسان، كأنْ يقترن بالزوجة انتقاما من الزوج.
3- ظلم الجن للإنس: وذلك غالبا ما يكون بسبب غفلة الإنسان عن ذكر الله، يقول الله تعالى: “وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرّحْمَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِين” [سورة الزخرف:36].
4- العشق: كثيرًا من حالات التلبس سببها العشق والإعجاب، وليس بالضرورة أن يكون المعشوق من الإنس جميلاً.
5- السحـر: يقترن خادم السحر بالمسحور من أجل أذية المسحور.
6- العيـن: ينفذ الشيطان في جسد المعيون مع نفس العائن.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه وصرع الجن هو لأسباب ثلاثة:
- – تارة يكون الجني يحب المصروع فيصرعه ليتمتع به، وهذا الصرع يكون أرفق من غيره وأسهل.
- – وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم أو صب عليهم ماء حار، أو يكون قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى، هذا أشد الصرع. وكثيرًا ما يقتلون المصروع.