أنواع المس فصلها بعض الأحبة تفصيلاً طيبًا نقلته كما هو بعد أن أضفت إليه بعض الإضافات.
النوع الأول: المس الطائف:
يقول الله تعالى في سورة الأعراف: “وَإِماّ يَنَزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ”.
وقال تعالى في سورة المؤمنون: “ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ السّيّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشّياطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُون”.
وقال تعالى في سورة فصلت: “وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ * وَإِمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ”.
يقول ابن كثير في تفسيره: [يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما عنه زجر أنهم إذا مسهم أي أصابهم طيف وقرأ الآخرون طائف. وقد جاء فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان: فقيل بمعنى واحد، وقيل بينهما فرق، ومنهم من فسّر ذلك بالغضب، ومنهم من فسّره بمس الشيطان بالصرع ونحوه، ومنهم من فسّره بالهم بالذنب، ومنهم من فسَّره بإصابة الذنب وقوله: “تذكروا” أي: عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب “فإذا هم مبصرون” أي: قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه.
النوع الثاني: المس العارض:
هو تلبس حقيقي عارض، يتلبس الجني الإنسي ساعات من النهار أو الليل ثم يخرج من جسده ثم يعود إليه مرة أخرى في اليوم التالي أو بعد أسبوع أو بعد شهر أو بعد سنة، أو أنه يخرج ولا يعود، لا أعاده الله.
ومن المعلوم بالمتابعة أن بعض المرضى يشعرون بخروجه من أجسادهم على شكل ريح قوية تخرج من الفم أو رعشة شديدة في أحد قدميه…الخ، خصوصًا عندما يعلم الشيطان أنه سوف يقرأ على المريض فإنه يهرب من جسده.
الاقتران الدائم (التلبس الحقيقي):
اقتران دائم يسكن الجني في عضو من أعضاء الإنسان كالبطن والرأس والساق والأرحام والعمود الفقري أو يكون منتشراً في جميع جسمه من أعلى رأسـه إلى أخمص قدمه، لا يفارق صاحبه أبدا فهو معه في الليل والنهار كعضو من أعضاء جسده.
النوع الثالث: المس الخارجي:
يتسلط الشيطان على الإنسان من خارج جسده بصورة دائمة أو عارضة.
روى مسلم في صحيحه: عن حذيفة قال: (كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا لم نضع أيدِينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده وإنا حضرنا معه مرةً طعامًا فجاءتْ جاريةٌ كأنَّها تُدفَع فذهبتْ لِتَضَعَ يدها في الطَّعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ الشيطان يستحلُّ الطَّعام أنْ لا يُذكر اسم الله عليهِ وإنَّه جاءَ بهذهِ الجارية ليستحلَّ بها فأخذتُ بيدها فجاءَ بهذا الأعرابيِّ ليستحل بهِ فأخذْتُ بيدهِ والذي نفسي بيدهِ إنَّ في يدِي مع يدِهَا).
وقد يتشكَّل الجنِّي على صورة إنسان أو حيوان فيمسّ الإنسي، أو يجلس الشيطان على كاهل الإنسان فيجد صعوبة في الحركة أو يسبب له ضيقًا في الصدر ووسوسة وعصبية أو يأتي الإنسان عند النوم ويضغط على منطقة الحركة في المخ فيشعر الإنسان بحالة من الشلل ولا يستطيع أن يتكلم أو يصرخ أو يتحرك وهو ما يسمى (بالجاثوم)، أو يتشكّل الشيطان على صورة حيوان صغير يتحرك بين ثياب الإنسان وجسده، وقد يتسبب في جرحه وضربه أو ينفخ في وجهه أو يفزعه ويخيفه فلا يستطيع النوم أو تتشكل الجنية على شكل امرأة جميلة فتطلب الجماع من الإنسي أو العكس، وتكون القراءة على المصاب بهذا النوع من المس بنية الطرد والتحصين وإبطال السحر.
النوع الرابع: المس المتعدي:
يكون الشيطان مقترنًا بشخصٍ ما، ولكن لسبب أو آخر نجده يتسلط على شخصٍ في الغالب له علاقة بالشخص المقترن به، وبهذا يتعدى شرّه إلى أكثر من شخص فيسمى: المس المتعدي، وليس بالضرورة أن يكون تعدي المسّ من نفس الجني الذي هو متلبس بالمريض ولكن ربما يكون بسبب أتباع ذلك الشيطان، وربما تلبس الجني الإنسان من الخارج وأثر عليه ولم يدخل فيه.
النوع الخامس: المس الوهمي:
يحصل الصرع الوهمي نتيجة معاشرة أو مشاهدة الإنسان السليم للمصروعين في الغالب، أو عندما يوهم المعالج المريض بأنه مصاب بمسٍّ من الجان، عندها تحصل لهذا الإنسان فكرة ثم وسوسه ثم وهم، فيتوهم بأنه مصاب بالمسِّ، وربما تستغل بعض الشياطين هذا الوهم بأن تتسلط على عقله حتى تجعله يظن أن الأمر حقيقة، وما يكاد أن يقرأ عليه الراقي حتى يسقط ويصرخ ويتخبط بالأقوال والأفعال ويتقمص تصرفات المصاب بالمس وقت القراءة فيترك الحليم حيران، وفي الحقيقة هذه إحدى سلبيات القراءة الجماعية والتشخيص الخاطئ والخوف من الجان.
يذكر صاحب كتاب الطرق الحسان: [أن مرض الوهم إذا أصاب الإنسان كان أخطر عليه من المرض الحقيقي؛ لأن مس الجن يزول بفضل الله أمام الرقية بالقرآن، أما مريض الوهم، فهو في دوامة لا تنتهي. فإذا تملَّك الوهمُ بإنسانٍ بأن به مسـًّا من الجنِّ أو أنَّه مسحور، يتشوش فِكرُه وتضطرب حياته، وتختل وظائف الغدد، وتظهر عليه بعض علامات المس أو السحر، وربما يحدث له تشنجات أو إغماء ويسمى في علم النفس الحديث (الإيحاء الذاتي) أ.هـ].
يقول ابن القيم:
[اعلم أن الخطرات والوساوس تؤدي متعلقها إلى الفكر فيأخذها الفكر فيؤديها إلى التذكر، فيأخذها الذكر فيؤديها إلى الإرادة فتأخذها الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل فتستحكم فتصير عادة، فردها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها… فإذا دفعت الخاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده، وإن قبلته صار فكرًا جوالاً فاستخدم الإرادة فتساعدت هي والفكر على استخدام الجوارح فإن تعذَّر استخدامها رجعًا إلى القلب بالتمني والشهوة وتوجهه إلى جهة المراد. ومن المعلوم أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار، وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات، وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل، وتداركه أسهل من قطع العوائد، فأنفع الدواء أن تشغل نفسك في ما يعنيك دون ما لا يعنيك… وإياك أن تمكِّن الشيطان من بيت أفكارك وإيراداتك فإنه يفسدُها عليك فسادًا يصعب تداركه ويلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك أ.هـ.].النوع السادس: المس الكاذب (التمثيلي):
تجد بعض المراجعين من يصرع وقت القراءة ويقول أنا الجني الفلاني وأنا خادم سحر ولن أخرج حتى يحصل كذا وكذا.. وفي الحقيقة الذي يتكلم الإنسان وليس الجني، وهو يمثل على الراقي بأنه جني، والغاية من هذا الصرع التمثيلي في الغالب من أجل أن يعامل هذا الإنسان معاملة خاصة ويلفت أنظار مَنْ حوله إليه، أو حتى يستجاب لطلباته، أو لتعرضه لمشاكل أو لصدمات عاطفية أو نفسيه، أو لينسب أفعاله القبيحة إلى تسلط الشياطين عليه أو لغايةٍ أخرى، ومثل هذا الإنسان في خطر عظيم؛ لأنه عرضة للتلبس الحقيقي الانتقامي حيث أن الجن يعتبرون هذا التمثيل استهزاء وسخريه بعالمهم.
يقول الجاحظ:
[بلغنا عن عقبة الأزدي أنه أتي بجارية قد جنت في الليلة التي أراد أهلها أن يدخلوهـا إلى زوجها، فعزم عليها، فإذا هي قد سقطت، فقال لأهلها أخلو بي بها، فقال لها: أصدقيني عن نفسك وعليَّ خلاصـك. فقالت: إنه قد كان لي صديق وأنا في بيت أهلي، وأنهم أرادوا أن يدخلوا بي على زوجي ولست ببكر، فخفت الفضيحـة. فهل عنك من حيلة في أمري؟. فقال: نعـم، ثم خرج إلي أهلها، فقال إن الجني قد أجابني إلى الخروج منها، فاختاروا من أي عضو تحبون أن أخرجه من أعضائها، واعلموا أن العضو الذي يخرج منه الجن لا بد وأن يهلك ويفسد، فإن خرج من عينها عميت، وإن خرج من أذنها صُمت، وإن خرج من فمها خرست، وإن خرج من يدها شلت، وإن خرج من رجلها عرجت، وإن خرج من فرجها ذهبت عذرتـها. فقال أهلها: ما نجد شيئًا أهون من ذهاب عذرتـها، فأخرج الشيطان من فرجها، فأوهمهم أنه فعل، ودخلت المرأة على زوجها] [الأذكياء: ابن الجوزي].الفرق بين الصرع النفسي والصرع التمثيلي وبين الصرع الحقيقي:
أن المصروع لا يجيد حركات الجن من حيث التخبط والكلام وقت الصرع: كالسقوط إن كان واقفًا أو طرف العين، وارتعاد الجسد، ورعشة الأطراف، وأسلوب الكلام، وسرعة الجواب، وطريقة خروج الجني من الجسد كما يزعم.
كيفية معرفة الفرق بين هذه الحالات:
فهي تعلم بالخبرة والفراسة المكتسبة وقوة الملاحظة، ومن خلال أخذ المعطيات عن حالة المريض بطرح بعض الأسئلة، وسؤاله عن حقيقة معاناته وسبب مجيئه إلى العلاج.
وأحبُّ أن أنبِّه إلى أن بعض المرضى لا يستطيعون أن يعبِّروا عما يعانون؛ وذلك من شدة تأثير الشيطان عليهم، وإذا كان البلاء يؤثِّر على العقل فمن الصعب الحصول على المعطيات الصحيحة من المريض نفسه؛ لأنه إما لا يستطيع التعبير أو أنه يبتكر أعراضًا وأجوبة خلاف الواقع.